الحب
سابق على الخليقة والوجود المادى , فمن الحب وبه وفيه قامت الخليقة ووجد
الوجود والخلائق جميعآ, فالله بالحب خلق العالم لقد خلق الله العالم من
العدم بالحب:
فإنه فيه خلق خلق الكل ما فى السموات وما على الارض ما
يُرى وما لا يُرى سواء كان عروشآ ام سيادات ام رياسات ام سلاطين الكل به
وله قد خُلق كو 1 : 16
فالحب وهو طبيعة الخالق :
ومن لا يحب لا يعرف الله لان الله محبة 1يو 4 : 8
شيئ فائق على تصور وفكر الانسان أذ بحث فيه بعقله تسربت من أمامه وتلاشت لان العقل أقل جدآ من أن يحتوىالله أو يفحص كيانه ..!!
فالعقل لا يستطيع أن يفحص شيئ الا أذا خضع هذا الشيئ للعقل , ولا يخضع
لدراسة العقل غير الامور المحدودة والتى لها أبعاد يمكن أن يحتويها
ويُدركها العقل .
ولكن وضع الله فى الانسان القلب وهو شيئ باطنى عميق , اذا قبل الانسان أن
يخضع بعقله لقوة الله أى يخضع العقل لله وليس الله للعقل ,حينئذآ ينشط
القلب ومشاعره التى تستطيع أن تلمس بعض من الحب الذى هو الله .
وطريق معرفة الله عن طريق القلب هو الايمان والذى يتطلب بالضرورة الثقة بما يُرجى والايقان بأمور لا تُري عب 11 : 1
وما يُرى ما هو الا الجانب البسيط والضعيف وأخيرآ الزائل من الوجود , أما
ما لا يُرى فهو الجانب القوى والابدى وغير الزائل فالله ذاته لا يُرى
فلقد وضع الله داخل الانسان إنجذاب باطنى نحو الحب لكى يقوده هذا الى معرفة خالقه .
والحب الذى هو الله أساسه أن لا يحيا الشخص فى ذاته أو يدور حول نفسه بل
يخرج عن كل ذاته الى الاخر , وأذا اقتربنا من نحو الله الذى هو أساس
الوجود الحقيقى الوحيد الذى ليس له بداية او نهاية .
حينئذآ يظهر هذا الحب لنا ولكن بسر خفى جدآ تلمحه عيون روحية تدربت على
الشخوص فى الله والتمتع بحضوره , بنما العين الجسدية المنغمسة فى الارض
والتراب يصعب جدآ عليها ملاحظة سر الحب الالهى .
فلقد لمح المسيح عن طبيعة هذا الحب عندما قال :
الاب يحب الابن ( يو 3 : 35 _ 5 : 20) وهذا الحب فائق المعرفة وهو موضوع
الحياة الابدية كلها _ وبهذا الحب كل ما هو للاب هو للابن أو كما كشفها
المسيح بصورة أعمق حينما قال " أنا فى الاب ..( يو 14 : 10 )
كذلك الابن يحب الاب بنفس الكيفية ولهذا قال : والاب في ( يو 14 : 10)
الابن فى الاب والاب فى الابن هذا هو الحب ولكن بسر عالى جدآآ على ادراك
البشر ولسوف يضل موضوع بعيد جدآ حتى يهبنا روح الله معونة خاصة منه لندرك
وعن طريقه هو معنى هذا الحب الذى هو الوجود الحقيقى .
وأخيرآ ببراعة عجيبة ومرتفعة عن كل فكر بشرى عبر المسيح عن الحب بينه وبين ابيه باللغة البشرية فى عبارة مختصرة هكذآ:
" أنا والاب واحد ....." يو 10 : 30
وواضح أن الحب الالهى جوهره الوحدة بين المحب والمحبوب ,ليست كلمة جافة
ولكن تُعنى أن المُحب كل أنشغاله وأهتمامه ووجوده ليس فى نفسه بل خارج
نفسه فى المحبوب كل هذا مرة اخرى بالكلمات البشرية الضعيفة والتى تعجز فى
ذاتها ومفرداتها أن تصف هذا الحب غير الموصوف بل هو يصف نفسه بنفسه
وبأفعاله الفائقة .
وعلى هذا الاساس جاء المسيح ليحقق حبه أيضآ من نحونا نحن البشر ويتحد
بطبيعتنا البشرية لكى تصير واحدآ فيه لكى يتحقق الحب فيه فمنتهى الحب كما
عبر عنه المسيح لكى يصير الجميع ولحد .............
ليكون الجميع واحدا كما انك انت ايها الآب فيّ وانا فيك ليكونوا هم ايضا واحدا فينا ليؤمن العالم انك ارسلتني.
يو 17 :21
ولا يُعنى هذا أن الطبيعة البشرية سوف تتغير الى طبيعة أخرى من يقول بذلك
يكون مجنون ولكن المسيح يسوع الاله الحقيقى أتحد بالطبيعة البشرية وعن
طريقه صارت البشرية جسده ,كما صار هو حياة اللانسان ,وهكذا صارت البشرية
واحدآ فيه وهى مازالت بشرية بالطبع ولكن واحدآ فيه بغير اختلاط او امتزاج
او تغير ,لكى يتحقق الهدف النهائى من الحب أن يصير الجميع مكملين الى واحد
.
والمهم جدآ فى هذا البحث أن هذا الايمان او العقيدة لا يمكن أن ينكشف
للانسان الذى يبحث عنه بفكره فقط فأذا كان الايمان فى حدود الفكر فقط كان
أيمانآ عقيمآ جاف وعلامة هذا الايمان الذى حدوده الفكر فقط الجدال
والمباحثات الغبية والخصام والتحزب وتصيد الكلمات من أجل الشكاية ولكى
يُظهر الاختلافات والانقسام ..................
وهم يراقبونه طالبين ان يصطادوا شيئا من فمه لكي يشتكوا عليه
لو 11 : 54
ولكن هناك العقيدة او الايمان المنكشف عن طريق حب المسيح من أجل شخص المسيح المحبوب فى السماء وعلى الارض ,والتعلق به :
الذى يحبنى يُحبه أبى وأنا أحبه وأظهر له ذاتى يو 14 : 21
هذا هو طريق الايمان الحى _ قلب أحب المسيح وتعلق بالمسيح ووجد فى المسيح
كل ما تشتهيه نفسه _ حينئذآ يخرج الانسان من ذاته تمامآ ويتحرر منها بهذا
الحب ويحيا لا لنفسه بل للمسيح الذى أحبه وبذل نفسه هو أولآ من أجله فيسعى
يفتش الكتب عن كل ما يتعلق بالمسيح ووصاياه ,
والعجيب يفاجاء الانسان دون ان يدرى انه بخروجه من ذاته وقبول المسيح
كحياة بدل من ذاته قد جذب له محبة الاب والابن ,حينئذآ يعرف الله عن طريق
الله واسرار الله بواسطة المشسيح نفسه " أظهر له ذاتى "يو 14 : 21
وحينما قال المسيح لا يستطيع أحد أن يأتى وراء الا ان ينكر ذاته اولآ ويحمل صليبه ...........
حينئذ قال يسوع لتلاميذه ان اراد احد ان يأتي ورائي فلينكر نفسه ويحمل صليبه ويتبعني.
مت 16 : 24
كان يصف حالة هذا الانسان الذى وقع فى حب يسوع وعاش هذا الحب فهو وصف لحالة حقيقة يعيش فيها الانسان أكثر منه امر .
أخيرآ بسبب وجود الشيطان عدو لكل ما هو صالح , ودائمآ يعمل على تزيف الحق
ودفع الانسان لكى يسقط فى تزيف الحق , وبهذا يضمن بعد الانسان عن الله لكى
يهلك الانسان معه ويسكن الجحيم .
فهو قد نجح وببراعة عجيبة فى تزيف الحب , وربطه بصورة مخيفة بالشهوة
واللذة الجسدية , واوحى للانسان ان يتمركز حول ذاته لا أن يخرج عن ذاته
.وسمى هذا بالحب ,فالانسان المخدوع من الشيطان يحب ذاته دون أن يدرى وهذا
تحت شعار الحب .
فأذا فحصنا معظم الاغانى والافلام التى تأخذ من الحب أسمآ لها ,نجد أنها
فى النهاية تدور فى النهاية حول الجسد ولذة الجسد علمآ بأن الجسد كل لذته
سوف ينتهى الى العدم وبسرعة فائقة .
هكذا زيف الشيطان الحب داخل فكر وقلب الانسان وبدل أن يكون الحب هو الدافع
الذى يخرج به الانسان من ذاته الى الاخر , أصبح هو الدافع الذى يتمركز به
الانسان حول ذاته .
وكلمة أخيرة هامة جدآ مستحيل على الانسان المخلوق من العدم أن يقبل أن
يخرج من ذاته الا أذ عرف المسيح يسوع وأكتشف شخصه الالهى وبطريقة عملية ,
ووقع فى حب المسيح ,لان محبة المسيح فى القلب هى القوة الوحيدة التى عندما
تسكن قلب الانسان تدفعه أن يخرج من ذاته _ ومتى خرج الانسان من ذاته الى
المسيح وشعر بأنه يحيا لا هو بل المسيح هو الذى يحيا فيه ............
فاحيا لا انا بل المسيح يحيا فيّ غل 2 : 20
حينئذآ يستطيع أن يحب الاخر حب حقيقى غير مزيف له أبعاد وأبعاد تفوق كل
قدرات البشر لانه يكون أساسآ صادر عن ينبوع الحب الحقيقى فى الوجود كله
يسوع المسيح ربنا الذى له المجد الى ابد الابدين امين