لقد أكدت المقالة التي خطتها أناملكم على أن العلاقة ما بين الإسلام و المسيحية ما هي إلا علاقة تلاق لا تنافر متأصله قي تاريخ صارخ على التعايش السلمي والتواصل و التبادل الحضاري البناء.فالثقافة المسيحية تشكل جزء عضويا وفاعلاً في الثقافة العربية وهذا ما مثل على الدوام عنصر قوة وإغناء للثقافة والحضارة العربية والإسلامية افتقدت له الكثير من الثقافات و الحضارات الأخرى ومنها الأوروبية. وبالتالي فإن المسيحية العربية كانت و ما زالت تشكل أحد جسور التواصل والتفاعل مع الحضارة الغربية.
على وجه الشبه ,أوروبا و التي تدين غالبية شعوبها بالديانة المسيحية لا يمكن قصر تعريفها بـ ( أوروبا المسيحية) أو اعتبار نتاجها الحضاري منتج غربي مسيحي صرف مقطوع الجذور عن الثقافات الأخرى، بل يجب النظر إليها بمحتواها الإنساني العميق، وبما هي اليوم ذروة الثقافة الإنسانية المستندة ليس إلى ما سبقها من ثقافات فقط بل إلى ما يزامنها أيضاً، فلقد صبّت في نهرها كنتيجة لعملية المثاقفة عصارة ثقافات العالم ومنتج مثقفيها بما شكلته من عامل جذب لأسباب عدة يحدد أهمها إدوارد سعيد في كتابه تأملات المنفى: "الثقافة الغربية الحديثة هي في جزء كبير منها نتاج المنفيين والمهاجرين واللاجئين، والفكر الأكاديمي والنظري لـم يصل في الولايات المتحدة الأمريكية إلى ما هـو عليـه اليـوم إلا بفضل أولئـك الذين لجأوا إليها ...".
بعد تطور حركة الإتصالات نتيجة للعولمة أصبح العالم قرية صغيرة و إتضحت الإختلافات الإجتماعية و الإقتصادية و الدينية بين الشعوب و أهمية الإتصال و التواصل لإزالة الحواجز ومساعدة الشعوب على التعايش السلمي , أصبح للإعلام الأرضي والفضائيات دور ريادي في تسهيل هذا التواصل . فالإعلام الهادف أصبح ضرورة استراتيجية من واجب الدولة و من مصالحها الوطنية ,و أمست مراقبة الإعلام و مراعاته للقواعد و المثل العليا للمجتمع . أن الديقراطية تمنح الأفراد حقوق و لكن تفرض عليهم واجبات . إن هؤلاء الذين يتحدثون بإسم الدين أعطوا لنفسهم حقوق وننصلوا من كل الواجبات . فمن حق أي فرد في مجتمع ديمقراطي حر التعبير عن آرائه و لكن من واجبه مراعاة مثل و مبادئ المجتمع العليا . و لسؤ الحظ, تقوم هذه الفصائيات و ستغل الحوار الامنطقي و التعصبي كوسيلة لتعميق الصراعات الطائفية و خاصة في مجتمع ديني لا يعترف بمبدأ فصل الدين عن الدولة .
فهذه الفضائيات ابتعدت عن المغزى الحقيقي لحوار الأديان ألا و هو تقريب الأخ لأخيه و تقريبه الفرد إلى ربه مع التأكيد على احترام الأخ لأخيه و التعايش و المحبة حسن العلاقات .لقد تخطى الموضوع نطاق محبة الآخر و التي أكدت عليها كل من الإسلام و المسيحية بل تعدت هذه الفصائيات المنطق و المتعارف عليه و شرعت في إشعال النزعات الطائفية و الدنية لتعميق فكرة صراع الحضارات و الأديان بدلا من التعايش السلمي و الذي حدثنا عنه التاريخ متذ العهدة العمرية إذ حمت المسيحين من أي إضطهاد سياسي أو ديني. لقد أمست هذه الفضائيات كلأفاعي التي تبث السموم الفكرية و التي أمست أخطر من سيوف التتار . ففي عصر العولمة و الإنفتاح الفكري كان من الحري بهذه القنوات أن تجمع الصف لمقاومة تلك الأيدي الغريبة و التي من مصلحتها أن لا يتفق العربي مع العربي مسلم أو مسيحي كي يسود التطرف و و التصادم الديني .
و من الجدير بذكر هنا أن هناك نظريات سياسية متعددة قد ظهرت لتوضيح الدور الحضاري الديني و الثقافي في الصراعات المختلفة في المجتمعات الحديثة و أهمها نظريتان : تظرية صراع الحضارات و مفهوم الحضاره الإسلامية المسيحية . إن صراع الحضارات هي أيديولوجيا نادى بها المفكر صاموئيل هنتنغتن و التي تقوم على أن الصراعات الداخليه و الخارجية في المجتمعات الحديثة هي نتاج للصراعات الحضارية الناجمة عن الفروق الدينية و الثقافية. فالإسلام في تصادم عقائدي و ايديولوجي مع الغرب , فها هو صموئيل هنتنغتن المؤسس لأيدولوجية صراع الحضارات يبعث بالشكر الجزيل لهولاء الذين عمقوا الشرخ بيننا و قادونا للتبني فكرة الصراع بدلا من التعايش و التعصب بدلا من احترام الآخر.
و لكني استشهد بمقالة نشرت في جريدة الغد و الذي كتبها كل من مير العدوي ومحمد القطاونة ومحمد الذنيبات و التي تطرقت إلى نظرية " الحصارة المسيحية الإسلامية " لكاتبها ريتشارد بوليت و التي أكدت على عدم وجود فروق جوهرية بين المسيحية و الإسلام من جهة أو الإسلام و الفرب من جهة أخرى بل أن ما يربطهما أكثر مما يفرقهما .
" الفارق بين أطروحة "صراع الحضارات" و"أطروحة الحضارة الإسلامية-المسيحية" أنه وفقا لأطروحة "صدام الحضارات"، فإن الغرب (اليهودي-المسيحي) كان وسيظل دائما في تضاد مع الإسلام. ووفقا لنموذج "الحضارة الإسلامية-المسيحية"، فإن الإسلام والغرب هما توأم تاريخي لا يمنع افتراقهما في المسار من الوعي بالمشتركات بينهما. وأفضل طريقة لإثبات ذلك هو التساؤل حول ما إذا كان ثمة اختلاف حقيقي اليوم بين المجتمعات الإسلامية والغربية على تنوعها."
و نستنتج مما سبق , أن العلاقة بين الإسلام والمسيحية كانت على الدوام ويجب أن تبقى علاقة تلاقي لا علاقة تنافر و ذلك خدمة لشعوبنا و شعوب الإنسانية جمعاء، فمكنون المسيحية و الإسلام واحد و كلنا ننتمي لحضاره عربية واحدة شهد بفصله التاريخ . إن قارئ النصوص السماوية يجب أن يضع بين عينيه مخافة الله و لا يستخدم ما اعطاه الله الخالق العظيم لزرع البغض و الكره . فتفسير القرآن أو الإنجيل يجب ألا يخرج عن الهدف الأسمى له ألا و هو فهمه و تطبيقه حسب تعاليم الدين المتعارف عليها وبهذا فقط نستطيع أن نحاصر الغلاة (إسلاميين ومسيحيين)، فتعاليم الإسلام في جوهرها دعوة لتحكيم العقل والحوار والعيش المشترك وكذا تعاليم المسيحية. أليس السيد المسيح عليه السلام هو القائل: "من يعش بحد السيف، بحد السيف يقتل".
منقول